ملوك إفريقيا وملكاتها: أشكال الحكم ورموزه

جاء معرضُ «ملوك إفريقيا وملكاتها، أشكال الحكم ورموزه» ثمرةَ تعاونٍ بين اللّوفر أبوظبي ومُتحف رصيف برانلي - جاك شيراك في باريس، مع دعمٍ من مؤسّساتٍ إفريقيّةٍ كثيرةٍ قدّمت عددًا كبيرًا من الإعاراتِ، وهو يتيح للمرءِ القيامَ برحلةٍ عبر أكثرَ من 300 قطعةٍ فنيّةٍ تنتمي إلى مجموعات مُتحف رصيف برانلي - جاك شيراك. فهذا المعرضُ الضخمُ والأوّلُ من نوعه في منطقة الخليج المخصّصُ لإفريقيا جنوبِ الصحراء، يكشف للناظرين عن مجموعةٍ منتخَبةٍ من القطع المتميِّزة التي تجسّم على أحسنِ وجهٍ ثقافةَ القارّة الإفريقيّة في بُعدها المادّي.

ذلك أنّ القارّة الإفريقيّة تمتلك تاريخًا ثريًّا، ذا ارتباطٍ وثيقٍ ببقيّةِ أنحاءِ العالَم. فمنذ العصورِ القديمةِ وصولاً إلى العصور الوسطى، كانت إفريقيا مهدَ حضاراتٍ عظيمةٍ مثل مصر القديمة، وممالك غانا ومالي وزمبابوي الكبرى. وقد عرفت إفريقيا، لاسيما خلال الفترةِ المتزامنةِ مع العصور الوسطى في أوروبا، عهدَ ازدهارٍ تميّز بإنشاءِ ممالكَ قويّةٍ مارست نفوذًا كبيرًا على النطاق العالمي. فمملكتا غانا ومالي، على سبيل المثال، تجاوزت شهرتُهما حدودَ أراضيهما.

وانطلاقًا من القرن الخامسَ عشرَ، وصل الأوروبيّون إلى السواحلِ الإفريقيّةِ المطلّة على المحيط الأطلسي وأقاموا علاقاتٍ تجاريّةً مع الممالك الإفريقيّة. وعلى هذا النحوِ ذاتهِ، نشأت اتّصالاتٌ وثيقةٌ بين السواحلِ الشرقيّةِ من إفريقيا وبلدانِ الخليجِ العربيّةِ والعالَم الهنديِّ. وعلى مدارِ القرنينِ السابعَ عشرَ والثامنَ عشرَ، تعزّزت العلاقاتُ التجاريّةُ، واكتشف الأوروبيّون في الوقتِ نفسهِ مناطقَ جديدةٍ أكثرَ اتساعًا وتنائيًا. وقد شهدت هذه الفترةُ أيضًا ذروةَ التجارةِ الثلاثيّةِ المشؤومةِ التي أدّت إلى استعبادِ ملايين الأفارقة في القارّة الأمريكيّة. ومنذ نهايةِ القرنِ التاسعَ عشرَ وإلى ستينيّاتِ القرن العشرين، خضعت إفريقيا، إلاّ إذا استثنينا حالاتٍ نادرةً جدّا، للهيمنةِ الاستعماريّةِ التي فرضتها بعضُ الدول الأوروبيّة، وهي: بريطانيا العظمى وفرنسا وبلجيكا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا. وتعرّضتْ بعضُ المناطقِ الإفريقيّةِ لحملاتٍ عسكريّةٍ عنيفةٍ، مثل مملكةِ بنين المدينة (نيجيريا الحاليّة) التي غزاها الإنجليز، أو مملكةِ داهومي (بنين الحاليّة) التي اجتاحها الفرنسيّون، أو بعضِ مناطقِ الكاميرون كذلك التي استحوذ عليها الألمان.

إنّ جزءًا من التحفِ الإفريقيّةِ المحفوظةِ اليومَ في مُتحف رصيف برانلي- جاك شيراك، وصل إلى أوروبا خلالَ هذه الفترة، فقد جلبها إلى هناك عسكريّون أو مبشِّرون أو موظَّفون استعماريّون. وكلّما ثبت أنّ قطعةً مّا من هذه القطعِ قد اُقتنِيت بطريقةٍ غيرِ مشروعة، قامت المتاحفُ الغربيّةُ في أيّامنا هذه بإرجاعِها إلى الدول الإفريقيّة.

بيد أنّ تاريخَ المجموعاتِ الفنّيةِ الوافدةِ من إفريقيا أقدمُ من هذه الفترةِ وأكثرُ تنوّعًا. فقد وصل الكثيرُ من القطعِ الفنيّةِ إلى المجموعاتِ المُتحفيّةِ الفرنسيّة قبل الاستعمارِ: وذلك عن طريقِ الرحلاتِ الاستكشافيّةِ التي نُظّمتْ انطلاقًا من القرنِ الخامسَ عشرَ، إمّا في شكلِ هدايا ديبلوماسيّةٍ، أو تحفٍ صُنّعتْ خصّيصًا لفائدةِ النخبِ الأوروبيّة على غرارِ بعض القطع العاجيّة. وخلالَ القرنِ التاسعَ عشرَ، ضُمّت عدّةُ قطعٍ إلى المتاحف، في أعقابِ تنظيمِ معارضَ عالميّةٍ. وجُلبت قطعٌ أخرى عن طريقِ علماءَ أو مغامرين قاموا باستكشافِ المناطقِ الداخليّةِ من القارّة الإفريقيّة التي لم يكن الغربيّون على معرفةٍ جيّدةٍ بها آنذاك. وطيلةَ القرن العشرين، أُلحقت تحفٌ عديدةٌ بالمجموعاتِ الخاصّةِ لفنّانين ومثقّفين كانوا مولعين بالسعيِ إلى حيازةِ أشكالٍ فنّيةٍ مختلفةٍ.

إنّ تتبّعَ التاريخِ المفصَّلِ لهذه القطعِ هو أمرٌ صعبُ المنالِ في أغلب الأحيان، بسببِ شُحِّ المعلوماتِ المتوفّرةِ عنها. ولكن بفضلِ تعاونِ مُتحف رصيف برانلي-جاك شيراك، مع الجماعاتِ والبلدانِ التي نشأت فيها المجموعاتُ الفنّيةُ التي يحتفظ المتحفِ بها، أمكنه إجراءُ بحوثٍ تناولت بالدرسِ مختلفَ المراحلِ التاريخيّةِ التي مرّت بها هذه القِطعُ، بدءًا بمكانِ صُنعها وانتهاءً بدخولِها إلى المتحف. ذلك أنّ مُتحف رصيف برانلي-جاك شيراك يضمّ بين جنباته فريقًا مختصًّا يعكف على القيامِ بهذه البحوثِ التي يمكن الاطّلاعُ على جزءٍ منها من خلالِ زيارةِ موقع المتحف الباريسيّ، باستخدامِ رمزِ الاستجابة السريعة المثبتِ في الأسفل.

ولمزيدٍ من المعلومات، ندعوكم إلى الاستماع إلى قصصِ هذه المجموعاتِ، عبر القيامِ بجولةٍ صوتيّةٍ تتخلّل المعرضَ وتشتمل على إثنتيْ عشرةَ قطعةً. فما عليكم إلاّ مسحُ رمزِ الاستجابة السريعة الظاهرِ أسفلَ القطعِ، ومن ثَمّ اكتشفوا هذه القصصَ من أجلِ تطويرِ معرفتِكم باستعمالاتِها ومساراتِها.